الخطاب الطائفي في الشرق الأوسط- خطر يهدد التعايش والسلام
المؤلف: رامي الخليفة العلي11.26.2025

تُعد منطقة الشرق الأوسط بوتقة تنصهر فيها مختلف الأعراق والأديان والمذاهب، فهي مهد الديانات السماوية الثلاث. هذا التنوع الثري أوجد فسيفساء اجتماعية متفردة، اعتادت على التآخي والانسجام لقرون عديدة. بيد أن المشهد الإعلامي المتسارع النمو في السنوات الأخيرة، قد بدأ في تشويه هذه الصورة المشرقة، حيث تحولت بعض المنصات الإعلامية إلى أدوات للتحريض المذهبي، تسعى إلى بث بذور الشقاق والخصومة بين أفراد المجتمع. ومع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، تفاقم هذا الوضع بصورة غير مسبوقة، إذ بات الخطاب الطائفي الجامح متاحًا للجميع دون رادع أو رقيب. وإذا أضفنا إلى ذلك التطورات السياسية والأمنية العاصفة التي شهدتها المنطقة منذ الغزو الأمريكي للعراق، وما أعقبه من أحداث ما يسمى بالربيع العربي، وما رافقه من حرب طاحنة في سوريا بتدخل أطراف إقليمية ودولية، ندرك كيف ساهمت هذه الأحداث في إشعال نار الفتنة الطائفية على نطاق واسع. لقد عمدت دول ومنظمات عدة إلى تطييف النزاعات في المنطقة، ليس فقط لتبرير سياساتها وأفعالها، بل أيضًا لتسهيل عملية حشد وتجنيد الأفراد، وإضفاء الشرعية الدينية على هذه الصراعات، مما يجعلها أكثر قبولًا لدى قواعدها الشعبية. هذا الاتجاه يشكل تهديدًا جسيمًا، فالصراعات التي كانت في السابق ذات طابع سياسي محض، أصبحت تُفسر الآن على أنها حروب دينية، مما يعمق الهوة بين مختلف مكونات المجتمع. على الرغم من كل الدماء التي أريقت في أرجاء الشرق الأوسط، إلا أن الأمل لم ينقطع بعد، ولا يزال بالإمكان احتواء الموقف إذا توفرت الإرادة السياسية والمجتمعية الصادقة للوصول إلى تعايش سلمي. تكمن الخطورة الحقيقية في تبني الشخصيات السياسية أو العامة لهذا الخطاب الطائفي، حيث يؤدي هذا التبني إلى رفع مستوى الصراع ليصبح صراعًا وجوديًا، يصعب حله ويمتد عبر الأجيال. ومن الأمور المقلقة استحضار الأحداث التاريخية وتوظيفها في السياق السياسي الراهن، ثم الحديث عن جبهة معينة تمثل الخير المطلق، وأخرى تمثل الشر المطلق. هذا التصور الضيق والمتطرف يقسم العالم إلى معسكرين، كما قيل سابقًا، مما يسهم في تغذية الخلافات وتوسيع الفجوة بين الأطراف المختلفة. يجب على السياسيين أن يدركوا عظم تأثير كلماتهم وأفعالهم، وأن يتحسسوا مواقعهم وتأثيرهم، خاصة في ظل الظروف الحساسة التي تمر بها المنطقة. فليس من مصلحة أحد إقحام شعوب المنطقة ودولها في صراعات دموية لا جدوى منها.
ليس صحيحًا أن قدر هذه المنطقة هو أن تكون حبيسة لصراعات أبدية، بل إن الغالبية العظمى من شعوب الشرق الأوسط تتوق إلى العيش في سلام وأمان واستقرار. وهناك بالفعل قادة مستنيرون يدركون آمال هذه الشعوب، ويسعون جاهدين لتحويل الشرق الأوسط إلى منطقة ينعم أهلها بالاستقرار والتعاون، ويتطلعون إلى مستقبل يضاهي أوروبا الجديدة. إن التعايش السلمي وبناء مستقبل زاهر للجميع أمر ممكن، إذا توفرت الإرادة الصادقة والعزم الأكيد على تجاوز الخطابات الطائفية والمصالح الضيقة.
